الاثنين، 17 أغسطس 2009

الوجودية والإسلام

الوجودية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسل الله وبعد :

هذا كتاب عن الوجودية.

الوجودية :

يطلق البعض على الوجودية تيار فلسفى ويسميها الأخرون مذهب فلسفى ويسميها طرف ثالث فلسفة والكل عندى بمعنى واحد هو الدين الذى يرضى به الإنسان ويتبعه وهو أى مجموعة أحكام أيا كان مصدرها والوجودية دين يدين به بعض البشر ويطبقونه فى حياتهم لإيمانهم به وسمى كذلك لأن أصحابه جعلوا الوجود هو غاية الإنسان فهو الهدف الذى يسعى خلفه .

الوجود :

انقسم الناس لثلاث فرق فى موضوع الوجود هى :

1- ترى أن الوجود وجود واحد فالله عندهم هو العالم الموجود والعالم الموجود هو الله ويسمون هذا وحدة الوجود والحلول والإتحاد.

2- ترى أن الوجود ينقسم لوجود إلهى هو الله الذى ليس كمثله شىء وهو الخالق للوجود الأخر والمسيطر عليه ووجود كونى وهو العالم الذى نحيا فيه وقد خلقه الله لابتلاء الإنس والجن أيهم أحسن عملا وفى هذا قال تعالى بسورة الملك "الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ".

3- يرى أن الوجود هو العالم الموجود فقط وهو نفسه الرأى الأول لأن الإله عند أصحاب هذا الرأى هو المادة ومن ثم فأصحابه ينكرون الوحى ولا ينكرون وجود الخالق فى داخلهم وإن أعلنوا غير هذا ولاعتراف البشر كلهم مصداق لقوله بسورة المؤمنون "قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله ".

انقسام الدين الوجودى :

انقسم أهل الدين الوجودى إلى أهل دينين :

- الدين الوجودى المعترف بوجود الله .

- الدين الوجودى الذى لا يقر بوجود الله ظاهريا .

وفى هذا قال سارتر "هناك فلسفتان للوجودية وليست فلسفة واحدة 000وهناك الوجوديون الملحدون وعلى رأسهم هيدجر والوجوديون الفرنسيون وأنا "عن كتاب الوجودية مذهب إنسانى لسارتر ص11 ترجمة عبد المنعم الحفنى .

تاريخ الوجودية :

للوجودية تاريخ ممتد فى أعماق التاريخ كما يقولون فيقولون أن كتب سقراط بها بعض الإشارات وكتب الحلاج والسهروردى أيضا ويقال أن الأب الحقيقى للدين الوجودى هو سيرن كيركجورد المولود فى الدانمرك ومن أصحاب الوجودية مارتن هيدجر وجان بول سارتر وسيمون دى بوفوار وجبريل مارسيل وكل منهم ساهم بالقول أو بالنشر فى إظهار الوجودية .

أسس الوجودية :

يقوم الدين الوجودى على عدة أسس هى :

- الإنسان أى الذات المفردة هى مركز البحث فى الدين الوجودى وهو أساس معظم إن لم يكن كل الأديان فالإنسان هو موضوع كل دين حيث يحدد له ما يفعله وما يقوله وعقوبات خلافه والإسلام هو الدين الوحيد المخالف حيث يخاطب الإنس والجن معا لأنهما المخيران بين الكفر والإسلام وفى هذا قال تعالى بسورة الذاريات "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ".

- الإنسان حر فى اختياره ومسئول عنه وهو لا يخالف الإسلام بهذا لأن الله وهب الإنسان حرية الإختيار فقال بسورة الكهف "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ".

- مقومات وجود الإنسان هى الموت والخطيئة والقلق والمخاطرة ومما لا شك فيه أن الموت ليس مقوما للوجود الإنسانى لأنه ينهيه من الدنيا وأما الخطيئة فشىء لابد من الوقوع فيه وإن كان المطلوب فى الإسلام هو الإمتناع عنها قدر الإمكان وأما القلق والمخاطرة فهما عمودا الوجود فلا حياة بلا قلق ولا حياة بلا مخاطرة والسبب وجود الخطيئة وهى الظلم والكفر باستمرار مما يتطلب مقاومتها والمقاومة هى منبع القلق والمخاطرة .

- أن الوجود أسبق من الماهية ويعرفون الوجود بأنه الواقع أى المعنى الذى يجعل المخلوق موصوفا بالواقعية وأما الماهية فهى عندهم الجوهر أى الشىء الذى لا يتغير فى المخلوق والحق أن وجود الشىء هو ماهيته .

شخصيات وجودية :

أ‌- سيرن كيركجورد :

يعتبر سيرن المولود فى الدانمرك سنة 1813 م فى رأى الكثيرين مؤسس الدين الوجودى المعاصر فهو أول من تحدث عن الوجودية فوجد حديثه صدى عند كثير من معاصريه ومن بعدهم وقد نشأ فى أسرة نصرانية فرباه والده العجوز على الصرامة فيها منذ نعومة أظافره ومن أجل هذا نشأ والعقيدة غير مستقرة المعانى فى نفسه فقد وجدها تتعارض مع العقل لذا ملأ الحزن نفسه وساعده على هذا أقوال الحزن الموجودة فى الأناجيل المحرفة كالصلب والفداء وأخبار المرضى وقد مزقت العقيدة نفسه فبعثت فيه اليأس والكآبة والقلق فانقلب ضدها فأصبح عدوا للدين والعلم والعقل وهى أشياء لها معنى واحد تقريبا فى الإسلام ومن ثم اتصفت شخصيته بالتناقض والإندفاع والتمرد وبعد كفره بالدين حدث فى نفسه فراغ هائل كان لابد من ملئه وبدلا من البحث فى الأديان الأخرى ليجد الدين الصحيح كان قد أصدر حكما بعدم صلاحية كل الأديان ومن ثم اخترع لنفسه دين جديد .

آراء كيركجورد :

توصل سيرن إلى أن الدين الصحيح ليس ما يعلمه رجال الدين من أحكام وإنما هو الدين الذى يصنعه الإنسان داخل كيانه بلا سيطرة أو إجبار أو إلهام من أحد أو إبلاغ من رسول وليس له طقوس وأساسه الوحيد هو حب الإنسان للشىء الجدير بأنه يحبه فمثلا من يحب فضيلة تكون هى إلهه المعبود ومن يحب رذيلة تكون إلهه ومن يحب امرأة تكون هى إلهه وهكذا ويبدأ دين سيرن من الإيمان وهو "ما هو عليه من آلام وقلق وتمزق روحى داخلى فمن لم يجد هذه الأشياء فليس مؤمنا "نقلا عن كتاب الوجودية فى الميزان لمصطفى غلوش ص34 وقد عاد فرفض إيمانه فهو "يرى أن تجارب الحياة وقسوتها وما يلاقيه فيها من آلام وما يصادفه منها من فشل وما يواجهه فى دروبها من مرارة أمور موجودة لديه وأنها تحدث فيه آلاما شديدة الوطأة ومن هذه النقطة بدأ ينتقد الإيمان ليرفضه فيقرر أن هذا الإيمان الذى توصل إليه لا يمكن أن يعتبره إيمانا حقيقيا ودليله أنه لو كان إيمانا حقيقيا لخف لنجدته وأنقذه من آلامه "ص35 المصدر السابق وبذا أعلن أن لا طريق لمعرفة الإيمان وبعد هذا الشك اتجه سيرن للنفس التى نفى عنها المعرفة ونفى منها العقل فجعلها سلما ينقذه من الهاوية التى أوقع نفسه فيها معتمدا على وجود ما يسمونه الأنا المتجزىء ويشرح العقاد فى كتابه المذاهب الهدامة هذا فيقول "فالوجودية لا تعنى مطلق الوجود ولا مطلق الحياة ولكنها تعنى أن يهتدى الإنسان إلى وحدة شاملة تمضى إلى اتجاه متناسق لا تتنازع فيه وأن يكون بهذه المثابة شيئا لا يتكرر ولا يتعدد "وقد هدم سيرن مناهج البحث الموصلة للغاية التى يسعى لها الإنسان سواء كانت صوابا أو خطأ فرفض المنطق لقيامه على العقل فى زعم أهله والعقل عنده مرفوض والسبب حد العقل لحرية الإنسان التى هى وجوده ورفض الأخلاق لأنها تربط بين الناس الذين يعيشون سويا والسبب فى رأيه انعدام الوجود الجماعى ورفض التحليل النفسى والسبب هو أنه يربطه بما حوله ولا يحافظ على فرديته ورفض الملاحظة الباطنية والسبب عنده قيامها على أسس التفكير المتوارثة ورفض الأديان كلها والسبب أنه تربطه بأشياء غير محسوسة أو ملموسة وبعد هذا أوضح أن المنهج الموصل للغاية هو إصابة الإنسان بمصيبة أو محنة أو صدمة ترد إليه وعيه وتجعله يعرف أعماق نفسه فيصبح شعوره الخاص هو ميزان العدل الذى لا يخطىء ويصور العقاد على لسان سيرن هذا المنهج فيقول "إنما نهتدى إلى وجودنا بثورة فى أعماق هذا الوجود نهتدى إليه بصدمة فى عاطفة قوية أو بيقظة من يقظات الضمير أو بضربة من ضربات التجارب تفصلنا عن المجتمع الذى نعيش فيه أو نتناول مكاننا منه بالتحويل والتبديل "وهو بهذا يدعو للفردية والعزلة والوحدة وقد تغنى بهم فى كتاباته ومنها قوله "وما أشبهنى بشجرة صنوبر وحيدة منطوية على ذاتها تتجه نحو الأفاق العليا "نقلا عن الفلسفة الوجودية وفى رأى سيرن فإن الذى يرفع النفس لأعتاب الوجود الدينى الصحيح هو الخطيئة التى تسقط فيها ومن ثم فالطريق للصفاء النفسى فى رأيه أى الطريق لكون الإنسان من صفوة الخلق هو الإثم والخطيئة المفضيان للألم ففى رأيه أن ميزة الإنسان عن بقية خلق الله هى الآلام بمختلف ضروبها وأسبابها وأساس دين سيرن وهو الوجود ليس لديه تعريف محدد حيث يقول "أن الوجود ليس موضوعا للمعرفة ككل موضوع وضع ليعرف "ومن ثم فليس لدينه أساس يقوم عليه ومن آراءه إنكار الوحى الإلهى والرسولية وعداوة العقل والبحث العلمى والصفاء الناتج من الخطيئة والألم المميز للناس عن بعضهم ومن المعلوم فى الإسلام أن المميز للناس عن بعضهم هو التقوى مصداق لقوله بسورة الحجرات "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "وأما الصفاء أى الإطمئنان النفسى فى الإسلام فسببه ذكر أى طاعة الله وليس معصيته عن طريق ارتكاب الخطيئة مصداق لقوله بسورة الرعد "ألا بذكر الله تطمئن القلوب "والفرق بين فردية الإسلام وفردية سيرن أن فردية الإسلام فردية منسجمة مع بقية الفرديات بحيث يكون الكل كالبنيان المرصوص مصداق لقوله بسورة الصف "إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص "وهذا يعنى أن الفرد المسلم يصنع المنافع من أجل الأخرين فى الظاهر ولكنها فى الباطن من أجل نفسه فكل عمل حسن يعمله لنفسه حتى وإن كان من أجل الأخرين وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ".

ب جان بول سارتر :

سموه فيلسوف الوجودية وسبب هذا نشره كتابه الوجود والعدم الذى كتب فيه عن الدين الوجودى وهو كتاب غامض حاول شرحه فى محاضرة نشرت فى كتاب اسمه الوجودية مذهب إنسانى وقد روج سارتر لهذا الدين بكتاباته وجدله ونقاشه مع الناس وقد اشتد نقد النقاد له بسبب غموض كتبه وفى هذا قال بول فولكيه فى كتابه هذه هى الوجودية ص78 "000وقد وجه نقد إلى سارتر مفاده إننا لم نفهم ما قلت فكان جوابه موضحا لقوام فكرته وكأنه تعمد أن لا تفهم وتبقى ظلمات بعضها فوق بعض إذ الوضوح سمة الحق دوما ،قال سارتر مجيبا :لا عجب لأن الواقع محال ولا يدركه الفهم "وأسس الوجودية السارترية هى :

- الوجود سابق للماهية فالإنسان عنده وجد أولا ثم استخدم إنسانيته فيما بعد وهو قول خاطىء لأن الوجود هو الماهية ولو كان غيرها ما أصبحت هناك حياة لأن الإنسان لا يوجد إلا إذا وضع الله ماهيته ولو كان سارتر يقصد أن الإنسان يولد ثم يستخدم أعماله بعد الولادة لكان خاطىء لأن الإنسان ساعة ولادته يستخدم إنسانيته أى أعمال الإنسان ممثلة فى الصراخ والحركة والرضاعة .

- أن العالم خارج الإنسان ظواهر ثابتة وشعورنا هو إدراكنا بذات العالم وذات الإنسان من ضمن هذا العالم وليس مجرد تأملنا لذات العالم والحق هو أن العالم خارج الإنسان ليس ظواهر ثابتة لأن القانون الذى يسير عليه الكون هو التغير المستمر فمثلا جو السماء يتغير من دقيقة لأخرى فأحيانا صافي وأحيانا غائم وأحيانا سحب متقطعة ومثلا الأرض تتغير من دقيقة لأخرى ففيها من يموت وفيها من يولد وفيها من يبنى وفيها من يهدم وفيها 000 وفى هذا قال الشاعر :

ما بين طرفة عين وإنتباهتها يغير الله من حال إلى حال

وفى هذا التعاقب المستمر فى الأحوال أتت أقوال عديدة فى القرآن منها قوله بسورة البقرة "إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون "وتعريف سارتر للشعور بأنه إدراك ذات العالم يوافق قوله بسورة يونس "قل انظروا ماذا فى السموات والأرض "وإدراك ذات الإنسان يوافق قوله بسورة الذاريات "وفى أنفسكم أفلا تبصرون ".

-الوجود نوعان الأول موجود فى ذاته وهو الموجودات الثابتة وهى أبدية عند سارتر والإنسان ليس منها والثانى موجود لذاته وهو الشعور الإنسانى ويسميه سارتر مشروع وجود والسبب أنه فكرة موجودة قابلة للتحقق حسب الإرادة وهو وجود متغير راغب فى المستقبل فار هارب من الماضى والوجود فى الحقيقة نوعان الوجود الإلهى والوجود الكونى الذى خلقه الله والنوع الأول عند سارتر نوجه له النقد التالى :ليس هناك موجود كونى ثابت لأن كل مخلوق يتغير من لحظة لأخرى وليس هناك موجود فى ذاته لأن معنى ذلك أن الحياة موجودة فى داخل الشىء ولكنه هو ميت ومن يموت يموت ما بداخله وليس هناك شىء أبدى فالمخلوقات كلها تموت لقوله بسورة آل عمران "كل نفس ذائقة الموت "والموت ليس سوى تغير فبدلا من حياة الشىء فى الدنيا يعيش فى البرزخ أو فى الأخرة وأما النوع الثانى عنده فنوجه له النقد التالى الشعور الإنسانى ليس موجودا لذاته لأن الإدراك وهو المعرفة لا تطلب للمعرفة وإنما تطلب للعمل ولذا ذم الله من عرف فآمن ولم يفعل فقال بسورة الصف "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " وهو لا يهرب من الماضى رغبة فى المستقبل وذلك لأنه لو هرب من الماضى لظل يقع فى الخطأ لأنه لن يستفيد من التجارب الخاطئة التى تمت فى الماضى والغاية من الشعور ليست الرغبة فى المستقبل وإنما الرغبة فى الوصول للثواب المنتظر ولو كان هو الرغبة فى المستقبل ما وجدنا الذين يتمنون الموت رغبة فى التخلص من آلام المستقبل .

-"أن لا وجود حقيقى للإنسان وإنما صيرورة حرة تملؤنا بالحرية وهذه الحرية تنخر فى وجود الإنسان وتصدعه فالوجود يفرز فى الوجود لذاته مادة اللاوجود إنه وجود العدم فى صميمه ومنه فأصل العدم هو الموجود لذاته الذى يعتبره سارتر الأصل فى اللاوجود وهو العدم المحض "من كتاب الفلسفة الوجودية لزكريا إبراهيم وقد صور سارتر الإنسان كشق فى صخرة جامدة أو صدع فى حائط متماسك أو دودة فى تفاحة ناضجة وهو تخريف نوجه له النقد التالى :زعم سارتر أن لا وجود حقيقى للإنسان ثم قال أنه صيرورة وهو تناقض لأن الصيرورة شىء موجود حقيقى وزعم أن الوجود يفرز العدم فى الوجود لذاته أى الشعور الإنسانى ولا أدرى كيف يخلق الوجود العدم فى المعرفة إذا كان هو مصدر المعرفة ؟إنه تناقض يولد الوجود المعرفة كما يولد اعدام المعرفة وزعم أن أصل العدم هو الموجود لذاته أى الشعور ولا أدرى كيف يولد الشعور الإنسانى العدم ؟إن الكيفية الوحيدة لهذا ولم يقصدها سارتر هى اختراع الأسلحة الفتاكة فتعدم نفسها بها وزعم أن الإنسان فجوة فى صخرة 000ودودة فى تفاحة رغم أن الله كرمه وفضله على كثير من عباده كما يقول القرآن وقد خلق الكون كله لإبتلاء الإنسان أيحسن العمل أم يسيىء وفى هذا قال بسورة الملك "الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ".

-مارتن هيدجر :

يسمونه زعيم الوجودية لأنه أقام دين خاص به يختلف فيه مع سيرن فهو يهتم بالموجود عموما ومن كل الجوانب ومع ذلك انتهى به اهتمامه إلى وجودية سيرن تقريبا فهو لم يتحرر من مفهوم الفرد لمفهوم الكل إلا ليلتقى بمفهوم الفرد مرة أخرى والسبب هو كسب أنصار للوجودية من المعتقدين فى القول بالكون الشامل وسوف ننقل فقرة توضح كيف بدأ هيدجر من العام وانتهى للخاص ،تقول الفقرة فى كتاب الوجودية فى الميزان "الباحث فى الوجود لابد أن يتساءل من أنا ؟أنا الباحث فى الوجود ،نعم إننى لست أنا الموجود غير أنى مع ذلك موجود وأشارك فى الوجود وصلتى به واضحة فالوجود شىء يحيط بى ويؤلف كيانى وليس شيئا خارجا عنى أضعه موضوعا لبحثى مثلما يفعل عالم النبات مع الشجرة التى يبحث فيها فأنا ظاهرة من ظواهر الوجود ،أنا موجود محدود فى الزمان والمكان فمن يبحث فى الوجود لا يستطيع أن ينسى أنه هو أيضا وجود وأنه مندرج فى الوجود وعلى ذلك فالسؤال عن الوجود هو نوع من وجود السائل فى نفس الوقت وبذلك يكون تحليل الوجود عموما يقتضى تحليل الموجود وأنه لا يمكننا الفصل بين الوجود والموجود فى مجرى البحث بالفعل وإن كانت الجهة منفكة على معنى أن التحليل الموجود يهتم بالموجود الفرد بوصفه فردا والتحليل الوجودى يهتم بالأحوال المتتابعة والتى يمكن أن يسمى بالأنية وهذه الأنية تجعل الإنسان يعيش كما يعيش الناس فى العمل والتفكير وتقدير الأمور وهذا يقضى على فردانية أى على وجوده الحق فيصير أداة وسط أدوات وبذلك يسقط الإنسان ولماذا يسقط ؟لأنه يفر من نفسه ومن العدم فما هو هذا العدم ؟وهل يمكن أن ندركه ؟يقول هيدجر :أنى لنا أن ندرك العدم والعدم عدم أو ليس هذا هذا تناقضا أن نصف العدم لأن الوصف إيجاب فكيف نصف بالايجاب ما هو نفى خالص؟"يتبين من الفقرة :

-أن هيدجر جعل الإنسان ساقط لأنه لم ينفرد ويعزل نفسه عن الأخرين ولو سمع الإنسان هذا الكلام لن يتعلم أحد أى شىء وسيكون الإنسان على أحسن تقدير حجرا أو ميتا وهو أسوأ تقدير .

-أن هيدجر جعل سبب سقوط الإنسان فراره من نفسه ومن العدم ولا أدرى معنى للفرار من النفس سوى قتل النفس وأما الفرار من العدم فشىء محال لأننا إذا متنا لا نذهب للعدم وهو الفناء التام وإنما لحياة أخرى فى البزرخ أو فى الآخرة.

-أن هيدجر قال أن العدم لا يمكن معرفته والعدم- نقصد به هنا عالم الغيب- لو لم يكن موجودا فى صورة عالم الغيب لم يكن ليطلق عليه عدم .

-أن هيدجر قال أن وصف العدم ايجاب ووصف العدم تناقض لأننا نصف بالايجاب ما هو سلبى ووصف العدم ليس به تناقض لأن الله وصف العدم وما فيه من عذاب ونعيم ومخلوقات .

إن أساس وجودية هيدجر الأول هو أن الفردية هى الوجود الحق للإنسان والثانى هى العاطفة فهى التى تجعله يدرك الأشياء وهى عنده الشىء الكاشف عن العدم فى الوجود وهو تعريف به تناقض فكيف يكون هناك عدم فى الوجود إذا كان الوجود فى الدنيا هو الحياة ؟

ويقسم هيدجر العاطفة لنوعين :

1- عاطفة الملال ويراد بها الملل من كل شىء ومن أى شىء وهى شعور قوى كاشف عن العدم ولا أدرى كيف يوضح الملل الذى هو هروب من واقع الحياة وعجز عن مواجهتها شعور قوى ؟إن العدم لا نعرفه خير معرفة إلا من خلال الوحى أو عند الموت فكيف نعرفه من الملل الذى هو صورة من صور الحياة .

2- عاطفة القلق وهو ليس خوف وإنما القلق من كل شىء بحيث يشعر الإنسان أنه مقبل هو والمخلوقات على هاوية غير معروفة وهو هنا يبرز لنا معنى لم يقل به أحد من قبل كما نعرف وهو أن القلق ليس خوف والأساس الثالث عنده هو أن العدم جزء من نسيج الوجود وهو شرط تحقق الوجود وانكشافه وهيدجر بهذا يجمع بين الأضداد فى شىء واحد وهذا يعنى الجمع بين الموت والحياة فى آن واحد والله قادر على كل شىء بدليل الوجود الظاهر لنا والعدم وهو الوجود الخفى فى هذا الكون والحمد لله أولا وأخرا .

ليست هناك تعليقات: