الاثنين، 17 أغسطس 2009

الخوف فى القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

الخوف

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :

هذا كتاب الخوف فى الإسلام .

إن الخوف هو خشية أذى الغير سواء كان الغير الله أو المخلوقات أى الرعب من إضرار الغير للخائف أو من يحبه .

ممن يجب أن نخاف ؟

إن الواجب علينا أن نخاف منه هو الله وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "وخافون إن كنتم مؤمنين "وفسر الله هذا بأنه الخوف من عذاب الله فى الأخرة أى خوف مقام الرب أى اليوم العبوس أى الوعيد أى سوء الحساب أى الشر المستطير وفى هذا قال تعالى بسورة هود "وإن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الأخرة "وقال بسورة الرحمن "ولمن خاف مقام ربه جنتان "وقال بسورة الإنسان "إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا "و"ويخافون يوما كان شره مستطيرا "وقال بسورة ق "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد "وقال بسورة الرعد "ويخافون سوء الحساب "والمسلم يجب عليه ألا يخاف أى ألا يخشى أحد سوى عقاب الله وفى هذا قال تعالى بسورة الأحزاب "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه أحدا إلا الله ".

أنواع الخوف المباح :

أباح الله للمسلمين أنواع من الخوف تتمثل فيما يلى :

- خوف الجنف وهو الإثم من الموصى والمراد الخوف من إيذاء الموصى لنفسه ولغيره بوصيته وهذا الخوف يدفع الخائف للإصلاح بين الموصى ومن يريد ظلمه وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه ".

- خوف المرأة النشوز من زوجها والمراد خشية الزوجة انصراف أى إعراض زوجها عنها بتطليقها والواجب عليهما الإصلاح بأن تتنازل الزوجة عن حقوق لها مقابل أن يبقيها الرجل فى عصمته ويقبل الرجل ذلك وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا " .

- الخوف على الذرية الضعاف والمراد الخشية على الأطفال أو المعوقين من الفقر فى المستقبل فيوصى لهم بماله كله وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ".

- الخوف على الموالى والمراد الخشية على الأتباع من الضلال بعد الموت ولذا طلب زكريا (ص)من الله أن يعطيه ولد يرشد الأتباع للحق وفى هذا قال تعالى بسورة مريم "وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا فهب لى من لدنك وليا ".

- الخوف من عدم إقامة حدود وهى أحكام الله والمراد الخوف من كفر الزوجة ولذا تفتدى نفسها من المعيشة المؤدية بها للكفر بالتنازل للزوج عن الصداق كله أو بعضه وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ".

- الخوف من عدم العدل بين الزوجات والمراد الخشية من ظلم بعض الزوجات يوجب الاكتفاء بزوجة واحدة وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ".

- الخوف من عدم القسط فى اليتامى والمراد الخشية من عدم إعطاء الفتيات اليتيمات مهرهن توجب الزواج من غيرهن مثنى وثلاث ورباع مع إعطاء المهر وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب بكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ".

- الخوف من الشقاق بين الزوجين أى الخشية من حدوث الطلاق بين الزوجين يوجب على الناس بعث حكم من أهله وحكم من أهلها وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها "

- الخوف من فتنة وهى أذى الكفار يوجب علينا قصر وهو إلغاء الصلاة وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ".

- الخوف من خيانة القوم والمراد الخشية من أذى العدو المسالم لنا بميثاق يوجب إعلان الحرب عليه ما دام ظهرت بوادر للعدوان علينا وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ".

- الخوف من نشوز المرأة والمراد الخشية من عصيان الزوجة للزوج يوجب عليه وعظها ثم هجرها إن لم ينفع الوعظ ثم ضربها إن لم ينفع الهجر وفى هذا قال تعالى بسورة النساء "واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن ".

- إن خوف الزوجين من عدم إقامة حدود الله إذا استمر زواجهم يوجب على المرأة أن تقدم تنازلا من صداقها يأخذه الزوج وفى هذا إراحة لها من إضرار الزوج حيث يطلقها وقد سبق قول هذا الخوف وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ".

- الخوف من ورود أيمان بعد أيمان الشهود والمراد أن يخشى الشهود من مجىء شهود أخرون بعدهم يحلفون على كذبهم فى إبلاغ وصية الموت وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم "

- الخوف من أذى الكفار توجب على المسلمين طاعة الله رجالا أو ركبانا وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ".

- الخوف من العيلة والمراد الخشية من الفقر والجوع توجب الثقة فى أن الله سيغنيهم من فضله إن أحب وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ".

وعمل كل ما سبق هو خوف من عقاب الله فالمطيع لهذه الأحكام إنما يفعلها خوفا من عقاب الله إن لم يفعلها .

مظاهر الخوف :

إن الخائف تظهر عليه بعض الأعراض التى تدل على الخوف وقد ذكر الله منها فى القرآن :

- النظر نظر المغشى عليه أى المغمى عليه من الموت وفى هذا قال تعالى بسورة الأحزاب "فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت ".

- الترقب وهو الانتظار والمراد القلق وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فأصبح خائفا يترقب " فالقلق هو انتظار وقوع الأذى فى أى وقت .

- الفرار وهو الهرب وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "ففررت منكم لما خفتكم ".

- الجرى من الشىء المعتقد الخائف أنه يؤذى كما تولى أى جرى موسى (ص)لما تحولت العصا لثعبان ولم يعقب أى ولم يرجع موسى (ص)وفى هذا قال تعالى بسورة النمل "وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إنى لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ".

- الفزع وفى هذا قال تعالى بسورة ص" هل أتاك نبأ الخصم إذ تسورا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف ".

والفزع يتخذ أشكال عدة منها ما يوجد مرسوما على الوجه ومنها سرعة دقات القلب ومنها ما يسمى الشهقة عند الالتفات لمصدر الخوف ومنها التقوقع ومنها الرعشة .

أسباب الخوف :

إن أسباب الخوف هى :

1- الأذى الملحوق بالخائف 2- الأذى الملحوق بمن يحبهم الخائف .

ومثال السبب الأول خوف موسى (ص)من قتل قوم فرعون لهم وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "ففررت منكم لما خفتكم "وقال بسورة الشعراء "ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون "وقال بسورة القصص "قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون "وخوف موسى (ص) أيضا من تكذيب قوم فرعون له وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "قال رب إنى أخاف أن يكذبون " ومثال السبب الثانى خوف يعقوب (ص)على يوسف (ص)أن يأكله الذئب وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "قال إنى ليحزننى أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب "وأيضا خوف إبراهيم (ص)على أبيه آزر من عذاب الله وفى هذا قال بسورة مريم "يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا "ومثل خوف مؤمن آل فرعون على قومه وفى هذا قال بسورة غافر "وقال الذى أمن يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب "وقال "ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد "وهذه الأسباب هى الإجابة على السؤال لماذا نخاف ؟فنحن نخاف أن يمسنا أذى أو أن يمس من نحبهم أذى ومما ينبغى قوله أن الخائف لا يخاف من فعل الشىء فمثلا نحن إذا قلنا نحن نخاف الله فإننا نعنى نحن نخاف عذاب الله سواء فى الدنيا وفى الأخرة .

ممن يجب ألا نخاف ؟

إن المسلم يجب عليه ألا يخاف من :

- الذين من دون الله وهم الآلهة المزعومة وفى هذا قال تعالى بسورة الزمر "ويخوفونك بالذين من دونه ".

- أولياء الشيطان وهم الكفار على اختلاف أديانهم وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم ".

- اللائمون أيا كانوا وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "ولا يخافون لومة لائم ".

الخوف ابتلاء:

إن الخوف وهو الخشية من إيذاء الغير لنا أو لمن نحب هو إبتلاء أى اختبار أى امتحان للإنسان والله يبتلى الإنسان ليعلم هل يصبر أم يكفر وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة "ولنبلونكم بشىء من الخوف ".

الخوف عقاب :

إن الخوف وهو الرعب الداخل فى النفوس يكون من الله عقاب للكفار على كفرهم وفى هذا قال تعالى بسورة النحل "وضرب الله مثلا قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "ومن أجل هذا طالبنا الله بإعداد كل أنواع القوة لإرهاب أى لتخويف الأعداء سواء كنا نعرفهم أو لا نعرفهم وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ".

الأمن الإلهى يزيل الخوف :

إن المسلمين إذا أطاعوا حكم الله فعل الله بهم التالى :جعل من بعد خوفهم أمنا والمراد جعل من بعد ضعفهم قوة تحميهم من إيذاء الكفار لهم فى كل المجالات وفى هذا قال تعالى بسورة النور "وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا "والمطلوب من الناس هو عبادة الله الذى أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف والمراد وحماهم من إيذاء الغير لهم وفى هذا قال تعالى بسورة قريش "فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف ".

بماذا يخوفنا الله ؟

يخوفنا الله بالنار وفى هذا قال تعالى بسورة الزمر "لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده "ويخوفهم بالآيات وهى المعجزات وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء "وما نرسل بالآيات إلا تخويفا "وببعض المخلوقات كالبرق وفى هذا قال بسورة الروم "ومن آياته يريكم البرق خوفا ".

نتائج التخويف :

للتخويف نتيجتين :

1-عدم الخوف ويعنى عدم الاستجابة أى لا يحدث الخوف من جانب المخوفين ومثال هذا أن الكفار إذا خوفهم الله فإنهم لا يخافون وإنما يزيدون من طغيانهم وهو كفرهم وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء "ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا "2-الخوف ويعنى طاعة المخوف أو الابتعاد عنه ومثال هذا اتباع الملائكة لله نتيجة تخويفه لهم وفى هذا قال تعالى بسورة الرعد "والملائكة من خيفته ".

أنواع المخوفات :

تنقسم المخوفات للتالى :

1-المخوفات المعلومة المعروفة ومثال هذا عدو الله المعروف للمسلمين.

2-المخوفات المجهولة الغير معلومة ومثالها العدو المجهول للمسلمين المعلوم لله وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "ومثال هذا العصا التى تحولت لثعبان فخاف منها موسى (ص)فهذا كان شيئا مجهولا أى كان أمرا غريبا على معارفه العقلية وفى هذا قال تعالى بسورة النمل "وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف " ومثال هذا أيضا أن ضيف إبراهيم (ص)لما قدم لهم الطعام رأى أيديهم لا تصل إليه فخاف منهم وفى هذا قال تعالى بسورة الذاريات "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف "ومثال هذا أيضا أن داود (ص)فزع وخاف والسبب غرابة دخول الناس عليه فبدلا من الدخول من الباب دخلوا من على سور المحراب وفى هذا قال تعالى بسورة ص "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف ".

أنواع الخوف :إن الخوف ينقسم لنوعين :

1-الخوف من وهذا النوع يعنى الخشية من أذى الغير للنفس ومثاله الخوف من مقام الرب وهو عذابه للنفس وفى هذا قال تعالى بسورة الرحمن "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجحيم هى المأوى"

2-الخوف على وهذا النوع يعنى الخشية من أذى الغير على من نحب ومثاله الخوف على موسى (ص)من جانب أمه التى تحزن لفراقه وفى هذا قال تعالى بسورة القصص "فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى ".

ماذا بعد إنتهاء الخوف ؟

إن بعد ذهاب الخوف وهو الأذى من مكان وجود الخائف يحدث حالة أمان تدفع الخائف المنافق للتالى :الاستقواء ويتمثل هذا فى حالة شتم وسب لمن يرى المنافق أنهم أقل قوة منه أو أنهم لن يعاقبوه وفى هذا قال تعالى بسورة الأحزاب "فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد "وأما المسلم فحالة الأمن والأمان فتدفعه لطاعة حكم الله كما يجب .

مثل :

يقال فى المثل من خاف سلم وهذا المثل إذا كان المراد به من خاف عذاب الله سلم فهو صحيح دون شك وأما إذا كان المراد به الخوف من الظلمة وعدم مقاومتهم فهو خاطىء باطل ليس فيه أى وجه من وجوه الصحة لأن الخوف من الظلمة مهلك يدخل صاحبه النار وفى هذا قال تعالى بسورة هود "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ".

ليست هناك تعليقات: